باماكو والمعضلة الأمنية : فصل جديد من الصراع مع الجماعات المسلحة
عاشت باماكو يوم ثلاثاء دامٍ، حيث شهدت الدولة المالية فصلاً جديدًا من مواجهاتها مع الجماعات المسلحة، إذ استطاعت الأخيرة أن تهاجم معسكرًا تدريبيًا لعناصر الشرطة وتحتل جزءًا من المطار، في مغامرة تبنتها ما تسمي نفسها بـ”جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” المرتبطة بتنظيم القاعدة، والتي خلفت ٨٠ قتيلاً حتى الآن. على كل حال، صرّح التلفزيون الرسمي المالي باستعادة الجيش السيطرة على المطار وعودة حركة الطيران، وإعلانه أيضًا هدوء الأوضاع في العاصمة. في هذه السانحة المقتضبة، أجتهد من زاويتي في محاولة قراءة ورقة التحديات الأمنية، تلك الورقة الثقيلة على طاولة عاصيمي غويتا.
مسألة شمال مالي والطوارق:
لنتفق في نقاط مبدئية: أن المستعمر ترك خلفه مخلفات قاتلة؛ نظامًا اقتصاديًا هو مصممه، ومدارس حربية وأمنية يدرك هو خفاياها، والأسوأ وضع جغرافي مليء بالمتناقضات، سواء كانت عرقية أو ثقافية، ومالي ليست استثناء، فكل ما ذكرته طبق عليها. لم تعمل النخب في القطر المالي على صياغة ثوابت وطنية تصهر المتناقضات، فعاشت الدولة المالية ولا تزال، مشكلة مألوفة في الأقطار الإفريقية مثل مشكلة الطوارق. إن هذا التمرد القديم (بدأ 1962)، كان يستفحل مع كل حالة فراغ أو توهان في الدولة المالية، حتى وصلنا إلى شكله السياسي الكبير تحت اسم “الحركة الوطنية لتحرير أزواد” (2011). كان يمكن أن تنتهي المسألة بعد أن أعطى الرئيس ألفا كوناري حكمًا ذاتيًا واسعًا لمنطقة الشمال، لكن الأيادي الخارجية لا تستطيع منع نفسها من التدخل في هكذا مجتمعات متشظية. تقوّى التنظيم جدًا بعد سقوط معمر القذافي وعودة من كان معه من الطوارق إلى شمال مالي بالأسلحة الثقيلة، ومع ضعف الدولة بعد انقلاب أمادو توريه أدى ذلك إلى سيطرتهم على تمبكتو وكيدال وغاو، وأعلنوا بعدها عن دولة للطوارق لم يعترف بها لا الجار الجزائري ولا النيجري ولا أي كيان دولي. نعود بعد هذا السرد إلى إلقاء الضوء على حدث جلل، حين وقع أفراد من الجيش المالي مع أفراد من فيلق روسيا الإفريقي (فاغنر سابقًا)، في كمين أعدته جبهة النصرة وتفننت في تصوير تعذيبها وقتلها للجنود الماليين والروس في فيديوهات تعامل معها الإعلام الغربي بلون من “الشماتة”.