مخاوف مصرية بشأن مشروع في جنوب السودان وأوغندا.. إليك التفاصيل
علن كل من جنوب السودان وأوغندا قبل يومين عن خطة مشتركة لإنشاء سدين على نهر نيمور، أحد روافد النيل الأبيض، بميزانية تصل إلى 96 مليون دولار. تهدف هذه الخطة إلى توفير الري الزراعي، وتطوير إمدادات المياه، والموارد الحيوانية لكلا البلدين، بالإضافة إلى توليد الطاقة الكهربائية. وفقًا للمشروع المعروف باسم “نيمور- ليمور”، سيتم بناء أحد السدين في جنوب السودان بتكلفة تقدر بنحو 36 مليون دولار، والآخر في أوغندا بتكلفة تبلغ حوالي 60 مليون دولار أميركي.
توقعت مصادر من أوغندا أن يتم مناقشة المشروع رسميًا في القمة المقبلة لدول حوض النيل، في سياق التعاون الإقليمي والنزاعات المحتملة، لا سيما مع مصر، في ظل التوترات الحالية بشأن استخدام مياه النيل، خصوصًا بين مصر ودول المنبع. تعتمد القاهرة بشكل رئيسي على النيل لتلبية احتياجاتها المائية، خاصة وأن المنطقة تشهد نزاعًا كبيرًا منذ أكثر من 15 عامًا حول الحقوق التاريخية لمياه النيل، وقد تفاقم هذا النزاع بعد بدء إثيوبيا في بناء “سد النهضة الكبير” بعيدًا عن الاتفاقيات التاريخية التي تحدد حصص المياه لكل دولة. من المتوقع أن تشهد القمة المقبلة مواجهة جديدة بين القاهرة ودول حوض النيل، وخاصة مع جوبا وكامبالا. وأفادت صحيفة “كامبالا تايمز” أن الإعلان عن مشروع “نيمور-ليمور” يأتي في وقت تسعى فيه الدولتان لتعزيز التعاون الإقليمي وتحقيق التنمية المستدامة، مشيرة إلى أن المشروع سيساهم في تحسين الظروف المعيشية للسكان المحليين وتعزيز الأمن الغذائي في المنطقة. وقد قلل خبراء مصريون من المخاطر التي يشكلها سدي جنوب السودان وأوغندا على الحصص المصرية من المياه، مؤكدين أن الخطر الأكبر يأتي من كينيا وإثيوبيا، حيث تخطط كينيا لإنشاء شبكة من السدود المتوسطة الارتفاع، بسعة تخزينية تتراوح بين 8 و14 مليار متر مكعب، بينما تخطط إثيوبيا لإنشاء ثلاثة سدود كبرى على النيل الأزرق، إضافةً إلى سد النهضة الذي أصبح واقعًا، بسعة تخزينية تصل إلى 60 مليار متر مكعب. وقد أشار وزير الري المصري السابق، نصر الدين علام، إلى أن سعي جنوب السودان وأوغندا لبناء سدود جديدة على النيل يعد تنفيذًا لاتفاقية “عنتيبي”، التي ترفضها مصر والسودان، مضيفًا أن المشروع قديم وتم تحديثه مؤخرًا، وأن جوبا، رغم إعلانها سابقًا تأجيل توقيع الاتفاقية، مستمرة في بناء السدود دون إخطار مسبق لمصر، كما تنص عليه الاتفاقيات التاريخية الموقعة بين مصر والسودان من جهة ودول المنبع من جهة أخرى. وأوضح علام أن مصر تدرك حاجة جنوب السودان، خاصةً لبناء سدود صغيرة لأغراض تنموية، وقد أعلنت سابقًا دعمها لجوبا بمنحة قدرها مليون دولار أمريكي لإجراء دراسات الجدوى الفنية لإنشاء سد “واو” متعدد الأغراض، بسعة تخزينية لا تزيد عن مليارين متر مكعب. ولم تعلق مصر رسميًا على التصريحات الأوغندية والجنوب سودانية حتى كتابة هذا التقرير، لكن من المتوقع أن تدافع القاهرة في القمة المقبلة عن تمسكها بالاتفاقيات التاريخية، وبخاصة اتفاقية عام 1929 التي أبرمتها بريطانيا (ممثلة عن السودان وأوغندا وكينيا وتنزانيا) مع مصر بشأن توزيع مياه نهر النيل، والتي تنص على “عدم إقامة أي إجراء على النيل وفروعه من شأنه تقليص حصة مصر بدون اتفاق مسبق مع القاهرة”. من جانبه، اعتبر الباحث الأوغندي في الشأن الأفريقي، كونجو المادي، أن سدي “نيمور-ليمور”، اللذين تم الإعلان عنهما بين كامبالا وجوبا، يعدان تجسيدًا للعلاقة المميزة التي تجمع العاصمتين منذ عقود.
يشير إلى أن بلاده قد دعمت استقلال جنوب السودان، وتهدف إلى تعزيز العلاقات التاريخية بين الشعبين من خلال العديد من المشاريع التنموية، مثل توليد الكهرباء وتطوير الري الزراعي والحفاظ على الموارد الطبيعية. ويكشف الباحث الأوغندي أن الاتفاق الثنائي يأتي في سياق تنفيذ اتفاقية “عنتيبي” الموقعة عام 2010، التي تتعلق بإعادة تقسيم مياه نهر النيل، حيث تتيح لدول المنبع إنشاء مشاريع مائية تدعم خططها التنموية. ويشير إلى أن “الاتفاقية قد أنهت منذ أكثر من عشر سنوات الالتزامات المجحفة التي كانت تفرضها ما يُعرف بالاتفاقات التاريخية المتعلقة بحصص مياه النيل، والتي كانت قد وُقعت خلال الفترة الاستعمارية”، معتبرًا أن الشعوب الأفريقية لم تكن تمتلك السيادة على بلدانها ومواردها الطبيعية في ذلك الوقت.
يؤكد كونجو أن سدي “نيمور- ليمور” لن يؤثرا سلباً على المصالح المائية في السودان ومصر، خصوصاً أن سعاتهما التخزينية محدودة مقارنة مع السد العالي المصري وسد النهضة الإثيوبي. ويضيف أن هناك إطاراً قانونياً لحل الخلافات والنزاعات بين دول حوض النيل، وهو ما تضمنته اتفاقية “عنتيبي” التي وقعت عليها كافة دول حوض النيل باستثناء مصر والسودان.
يعتقد كونجو أن الاتفاقيات الثنائية والجماعية بين دول حوض النيل قد تشهد تقدماً ملحوظاً في الفترة القادمة، خاصة مع زيادة عدد السكان في هذه الدول، والحاجة إلى تحقيق تغييرات نوعية في مجال التنمية المستدامة. كما دعا دولتي المصب، مصر والسودان، إلى “أهمية فهم حاجتنا إلى التنمية”.