مقالات الرأي
السودان واحتمالات الحرب العالمية في الإقليم

بقلم: أ.د. محمد حسين أبوصالح
- المسرح السياسي يزداد ارتباكاً وتعقيداً، لا سيما وأن العالم يسير ربما نحو حرب عالمية في الإقليم قد تؤسس لإرادات ونظم جديدة، وهي تأتي إمتداداً لحرب أوكرانيا.. صراع استراتيجي في أخطر تجلياته ولا زال الساسة يعملون بذات العقلية التقليدية مع غياب الديناميكية في ظل مسرح يتحرك بسرعة كبيرة للغاية..
أتمنى من الخبراء التعمق في دراسة المشهد والتفكير العميق ..
- إن التحركات والتوجهات والسياسات الأمريكية والأوربية والروسية والصينية والإيرانية حيث الحرب السياسية والتجارية وحرب المعادن والطاقة وصراع التقنيات الاستراتيجية على وجه التحديد والاستدعاء الواضح لأدوات الحرب الذكية، مع ربط كل ذلك بالحشود العسكرية غير المسبوقة والعمليات الواسعة لإعادة انفتاح الجيوش والاستدعاء الكثيف للأسلحة الاستراتيجية، مقروناً مع الطموح في إنجاز مشروع الشرق الأوسط الجديد ( سايكس بيكو 2 )، مع تنامي غير مسبوق للتناقضات واللعب على المكشوف في ظل أعلى درجات سيطرة لوبي المصالح على القرار الأمريكي، مع ملاحظة ما يجري في مصر والأدوار القطرية والسعودية والإماراتية والأردنية، وما جرى في سوريا وما جرى في السودان وما يجري في جنوب السودان وفي كل دول الجوار السوداني، وما هو متوقع في اليمن حيث بداية الممر المائي وفي شمال غزة حيث نهاية الممر ومشروع قناة بن قوريون المقترحة على البحر الاحمر وحيث غاز شرق المتوسط ومصادر النفط الاستراتيجية في الشام وعبور الطريق الهندي نحو الشرق الأوسط.. بجانب ثروات غرب ساحل البحر الأحمر حتى خليج غينيا…، كلها تشير لخطورة ما يجري حولنا .
- هذه التطورات الكبيرة ربما وصلت بعض أطرافها لقيادة الدولة، حيث سيكون مطلوباً إتخاذ توجهات إما ( مع ) أو ( ضد )، وبالرغم من أنه لا يوجد في الساحة السودانية رؤية وطنية وعلمية وشاملة للتعامل مع هذه التعقيد سوى ( الرؤية السودانية ) والتي سبق وتنبأت بما يحدث الآن وعكسته لقيادة الدولة، إلا أنه على الرغم من ذلك لم يحدث تفاعل قوي مع المبادرة حتى الآن بإستثناء قبول جزئي لبعض بنود المبادرة المتمثلة في فترة تأسيسية وحكومة كفاءات ببرنامج وطني.. كل ذلك بنظري يرجع لغياب الرأي العام المساند الذي يبلور ويوحد الإرادة الشعبية، مقابل قوة وكثافة الجهد الخارجي لاستلاب الإرادة الوطنية عبر جهات وواجهات غير مفوضة من الشعب السوداني، وقد سبق وطالبنا بحملة شعبية ( جادة ) للتوقيع على ميثاق السودان كطريق وحيد في الوقت الراهن لتحقيق ذلك، ولابد من استكمال هذا العمل بشكل سريع.
- ولنا أن نتصور وجهة نظر الدول الطامعة حول دولة كالسودان منشغلة بالحرب العسكرية، غنية جداً بالموارد الطبيعية المهمة بجانب الموقع الجيوستراتيجي، مع غياب العقل الاستراتيجي للدولة وغياب الرؤية الوطنية وغياب وثيقة المصالح الوطنية، في ظل ساحة سياسية مهترئة تتسيدها تنظيمات سياسية غير مفوضة وبعضها مسلوب الإرادة، ساحة مليئة بالثقوب التي تتمدد منها الخلافات والعصبيات مع ضعف الإرادة الشعبية الموحدة نتيجة غياب الرؤية الاستراتيجية المجمع عليها..
- من المؤكد أن دولة بهذا التوصيف تكون مجرد وليمة يصطرع حولها الطامعون ولا يستشار أهلها إلا في إطار ضيق، ومن ثم لنا أن نتصور طبيعة التصرفات تجاهنا …
- المعركة ليست عسكرية فقط، وإن كنا قريبين من مشهد عسكري كبير، ولكنها حرب استراتيجية شاملة وذكية، يديرها ضدنا الاستراتيجيون في مجالات السياسة والاجتماع والشؤون العسكرية والاقتصاد والتقانة والمعلومات وغيرها، ولا بد من مقابلة ذلك الجهد الخارجي الشامل والمنسق والعلمي المتراكم عبر السنين بذات الطريقة وذات المنهج.
- عبر التاريخ ظل الجيش السوداني يحقق الإنتصارت العسكرية، بينما ظللنا نخفق في المعارك الناعمة حيث ظلت القوى السياسية بدرجة كبيرة قاصرة عن الحفاظ على المكتسبات وحماية المصالح الوطنية العليا، وكثيراً ما تخضع لتقديرات ظرفية ضيقة ورؤى سياسية هشة.
- نحن في أمس الحاجة لصيانة الاستقلال الوطني، في أمس الحاجة للديناميكية واستيفاء ترتيبات استثنائية مبتكرة وغير تقليدية..
- ولا سبيل للتعامل مع هذا الوضع الاستثنائي إلا ؛
- وفق رؤية استراتيجية
- وبلورة الارادة الشعبية
- وتأسيس العقل الاستراتيجي للدولة..
- وتشكيل سلطة من الخبراء أصحاب الجدارة الأخلاقية والمهنية.
- مع الأسف دخلنا في مرحلة تتغير فيها الأحداث بسرعة فائقة ولا نملك ترف التأمل والإنتظار، فالقرار الصحيح في الوقت الخطأ هو عديم الجدوى، والتأخر في اتخاذ القرارات الحاسمة في هذه المرحلة له تبعات كارثية على الدولة وعلى وجودها.
- 5 أبريل 2025