
ما بين جولة ترامب و اثار التبعية للكولونيالية الجديدة.
رأينا جميعاً في الأيام السابقة مظاهر من التّبعية المذلة من قِبل ملوك دول الخليج لدونالد ترامب و ما ترتب عليه من قرارات سياسية بناءً على التغيرات الجيوسياسية الاخيرة في المنطقة فما أسباب و جذور هذه التبعية ؟
سنلاحظ بأن هذه المسألة لديها جذور و امتدادات تاريخية فمنذ ثورة التغيير الفكري و الثقافي التي حدثت في أوروبا عقب ثورة الاصلاح الديني لمارتن لوثر و من ثم بزوغ عصر النهضة و ظهور فلاسفة على شاكلة كانط و فولتير و فريدريك هيغل و تمكين “العقل” كمركز و كمرجعية لاتخاذ القرار بدلاً عن “الكنيسة” و من ثم السيطرة على مجريات و حيثيات الواقع السياسي و الاجتماعي و توظيفه وفق توجهات برغماتية.
سنلاحظ أيضاً خروج حملات استعمارية من أوروبا لمنطقة الشرق الأوسط و افريقيا كانعكاس و كمحصلة لعصر النهضة و الذي اكسب العقل الأوروبي نوع من التفكير الاستعلائي الكولونيالي تجاه شعوب المنطقة فالطبيعة الاستعمارية تعتمد على “العقل” في التوجه دون اي محدد أخلاقي أو قيمي و تتخذ ادوات و اساليب تختلف باختلاف الطبيعة الجغرافية و الديموغرافية للبلد المستهدف علاوةً على ظهور أطروحات و دراسات لتفسير هذه الظاهرة كالدراسات ما بعد البنيوية و الاطروحة الماركسية و الدراسات ما بعد الكولونيالية.
ما بين الحملات الاستعمارية و الجمود الفكري :
انحصار الجغرافيا السياسية الإسلامية من بعد الحرب العالمية الأولى ١٩٢٤ و تفكك الخلافة العثمانية علاوةً على الجمود الذي أصاب الفكر الإسلامي لعقود و الذي أنعكس على نمط و تفكير المجتمعات المسلمة…كل هذه العوامل سهلت الطريق للتمدد الإمبريالي و الليبرالي “عسكرياً” و “ثقافياً” في المنطقة علاوةً على تشكل نظام عالمي جديد من بعد الحرب العالمية الثانية و ظهور ادوات جديدة اكسبت الصراع نمطاً مختلفاً …فمنذ تأسيس البنك الدولي و صندوق النقد و اللذان يُعتبران أحد الاذرع الاقتصادية للقوى الإمبريالية بدأت تتكون جذور لتبعية مذلة فسنلاحظ بأن البنك الدولي تأسس في العام ١٩٤٥ و بدأ بالتعامل مع المملكة العربية السعودية و باقي دول الخليج بهدف الهيمنة الاقتصادية على هذه الدول فتاسست مشاريع على مستوى البنية التحتية و شبكات المياه و باقي القطاعات مقابل توفير و تصدير البترول للولايات المتحدة، فالهدف الأساسي هو الهيمنة الاقتصادية خصوصاً من بعد انحسار نفوذ بريطانيا فالولايات المتحدة الأمريكية حريصة على بقاء منطقة الخليج و الشرق الأوسط مفككة و ضعيفة من حيث التأثير علاوةً على أطماعها المتمثلة في منابع النفط و زرع الكيان الإسرائيلي في السابق كمركز للمصالح الأمريكية بهدف اشغال دول المنطقة علاوة على توظيف الولايات المتحدة الأمريكية لاحداث حرب الخليج و التناقض المذهبي و الصراع السني – الشيعي و عرض الحماية العسكرية لهذه الدول حماية لها من اي غزو مستقبلي بهدف الهيمنة الاقتصادية و السياسية عليها… كل هذه العوامل انعكست على نمط تفكير و ثقافة المجتمعات الخليجية تمكيناً للأسر المالكة في السلطة و استمرارهم كأدوات للولايات المتحدة الأمريكية.
فمشاهد الذل و الهوان التي رايتموها في الأيام السابقة ليست وليدة اللحظة بل هي محصلة و نتيجة لتراكمات تاريخية من الأحداث و الوقائع في أوروبا و منطقة الشرق الأوسط و التي أثرت على الجغرافيا السياسية الإسلامية و انعكست على نمط تفكير و ثقافة المجتمعات في العالم الإسلامي بالتالي وجب علينا تغيير هذا الواقع البائس و الانتقال من حالة السكون و الجمود إلى الحركة و التغيير فكرياً و ثقافياً و على جميع الأصعدة نهضةً للمجتمع و نُصرةً للدين.