ويسألونك عن كامل إدريس!

ويسألونك عن كامل إدريس!
بقلم: عبد الماجد عبد الحميد
سَجَّل الزميل الصحفي والإعلامي الأنيق عزمي عبد الرازق، صورة قلمية بديعة للدكتور كامل إدريس، متاحة على صفحته الشخصية لمن أراد الاطلاع. وقد اجتهد عزمي، كعادته، في تطريز السرد بلغة شاعرية، وعبارات محكمة، تُلامس الذائقة وتداعب الخيال.
لكن، حين نضع تلك السيرة المزخرفة للدكتور كامل إدريس في ميزان الواقع، فإنها لا تختلف كثيراً عن زهرة بلاستيكية: جميلة المظهر، أنيقة التنسيق، لكنها بلا رائحة، بلا حياة، بلا دفء حقيقي. إنها لا تحمل العطر الطبيعي الذي يعرفه ابن الجزيرة الخضراء، عزمي عبد الرازق، حين يُمسك بوردةٍ من تراب مشروع الجزيرة، ويتنفس منها حياةً ومعنى.
كامل إدريس، الذي يقترب من عتبة الثمانين، قضى عمره يتنقل بين موائد الحكومات والأحزاب، دون أن يُسجَّل له إنجازٌ يُذكر في ميدان السياسة أو في خدمة المواطنين. هو موظف علاقات عامة، لا أكثر، صنعت شهرته روايات أممية، ترددت كثيراً حتى تحولت إلى “حجوة أم ضبيبينة”، يتداولها بعض أصدقائه كلما طُرِح اسمٌ لرئاسة الوزراء في السودان!
والأعجب من ذلك، أن اسم الرجل لا يُرافقه أي زخم شعبي. لم نشهد يوماً مظاهرةً أو لافتةً ترفعها مجموعة من المواطنين مطالبةً بترشيح ابنهم كامل لتولي هذا المنصب الحساس. ففي السودان، لا يصنع القادة في مكاتب جنيف أو فنادق نيويورك، بل في البيوت المفتوحة، في الجلسات الشعبية التي تبدأ بقُرص العصيدة وتنتهي بكوب شاي يتبادله الناس في مودةٍ وعفوية. وإن غاب هذا الحضور الاجتماعي، فلا مستقبل لمن يحلم بالقيادة مهما جرى تلميعه في المحافل الدولية.
من يُحدّثوننا عن نفوذ كامل إدريس الدولي، إنما يسوّقون وهماً. فلو كانت له تلك السطوة فعلاً، لما تأخر في تقديم عون حقيقي لبلده، الذي يرزح تحت وطأة العقوبات والتعقيدات الدولية. لكن الأزمة السودانية أعمق من أن تُحل عبر وساطة أو خطاب علاقات عامة، بل تحتاج إلى قيادةٍ نابعة من عمق المعاناة، قيادة تعيش الأزمة لا تراقبها من نوافذ الفنادق.
البلاد اليوم تواجه أزمات مركبة، لا تنفع معها “نسخة تشغيلية” تجاوزها الزمن. السودان في حاجة إلى شبابٍ تمرّسوا على فهم الواقع، خاضوا معارك الكرامة بشجاعةٍ وفهم، ويملكون الحلم والمبادرة لاجتراح الحلول من قلب المحنة.
أما الدكتور كامل إدريس، فرغم محاولات البعض دفعه نحو الواجهة، فإن الواقع يقول إن هذه “النسخة البلاستيكية” لا تصلح لهذه المرحلة. ومن يُمنِّون النفس به رئيساً لن ينعموا به، ولا بالمنصب، حتى وإن مُنِح كامل الصلاحيات. فالرجل ببساطة، لا يملك ما يقدمه.
وفي النهاية، تبقى الحقيقة الساطعة:
“والماء يفضح الغطّاس”.