إلغاء وزارة الري خطأ تاريخي… بقلم صديق المجتبى

إلغاء وزارة الري خطأ تاريخي
بقلم مهندس زراعي
صديق المجتبى
أولاً :حرب المياه الصامتة بين مصر والسودان ملف أمني
أظن وأرجو ألا أكون آثماً أن هنالك أيدي خارجية وعملاء بالداخل تديرهم المخابرات المصرية لاغتيال هذه الوزارة العريقة والتي نحن في أمس الحاجة إليها لأننا أكبر دولة معبر للنيل (٦٦٥٠ كلم) ولدينا ١٩ مليار متر مكعب من نصيب السودان في اتفاقية مياه النيل تذهب إلى مصر بلا تعويض منذ توقيع اتفاقية مياه النيل عام ١٩٢٩ وكانت استفادة السودان من مياه النيل محدودة ولم تكن هنالك مشروعات زراعية كبرى غير مشروع الجزيرة الذي أسسه الإنجليز لانتاج خام القطن لتغذية مصانع نسيجهم الكبرى في لانكشير وسوق الهافر حيث كان السودان يستورد الأقمشة من هناك ، صمم المشروع أساساً كحقل تابع لصناعة النسيج في بريطانيا وكانت الدورة الزراعية أحادية لا تشمل محاصيل غذائية بالمستوى المطلوب. إلا ما يكفي حاجة المزارع Monocropping system واي تطوير للمشروع أو إنشاء مشاريع زراعية جديدة مثل المناقل والرهد وكنانة والحنيد وسنار كان ينظر إليها المصريون بقلق خوفاً من استهلاك السودان نصيبه الشرعي من مياه النيل ،
ثانيا :أمريكا وعرقلة مشروع زراعة القمح في مصر والسودان
تذكرون الهيصة التي حدثت عند محاولة نميري انتاج القمح في الجزيرة وهو water consuming plant ، وكيف نشطت المعونة الأمريكية لتوفير القمح من فائض مخزونها وتقديمه للسودان وهو عبارة عن وسخ المخازن الامريكية ودخلت معه الكثير من الآفات الزراعية الفتاكة بالمحصول سواء كانت آفات مخازن store pests أو آفات حقل لعرقلة مشروع زراعة القمح في السودان وكانت تلك التجربة مجال دراسة لنا كطلاب في كلية الزراعة بجامعة الخرطوم .
المهم نفس الشيء فعله المصريون مع حكومة الإنقاذ عندما حققت 50% من حاجة السودان من القمح بزراعته في الولاية الشمالية ومشروع الجزيرة وتم انتاج سلالة محسنة تقاوم الحرارة وتواكب الظروف البيئية وبعض الآفات المحلية كما تم احتواء عيوب القمح الأمريكي الذي يحتوي على نسبة عالية من المادة الاسفنجية cork وذلك حسب مواصفات المخابز الآلية لتقطيع وتشكيل العجنة لانتاج الخبز والمخبوزات الأخرى لأن القمح الطبيعي يتفتت أثناء الصناعة . قدم البشير لحسني مبارك مشروع تكاملي لتحقيق الاكتفاء الذاتي لكن حسن مبارك رفض لأنهم يسدون حاجتهم من قمح المعونة الأمريكية لمصر وقال بالحرف الواحد إن الأمريكان لا يوافقون على هذا المشروع أولاً بسبب العقوبات المفروضة على السودان لصناعة الجوع سعيا لاسقاط النظام
ثانيا/ يعتبر انتاج القمح في وادي النيل مهدداً للمصالح الأمريكية وهناك مؤشر أن الوادي سيكون من أكبر المناطق المنتجة والمصدرة للقمح وتعطيل هذا المشروع يعتبر استراتيجية أمريكية ومن ناحية أخرى يخشى المصريون من توسع السودان في انتاج القمح المستهلك للمياه ومن ناحية أخرى أيضاً ، أن المعونة الامريكية تعتبر بروتوكول وسلة واحدة متكاملة بتقديم دعم للجيش المصري مقداره مليار وثلاثمئة مليون دولار سنوياً ضمن اتفاقية كامب ديفد لحماية أمن اسرائيل بعد هزيمتها في معركة العبور عام ١٩٧٣ .
قدمت هذا السرد لأثبت أن وجود وزارة مستقلة للري استراتيجية أمنية واقتصادية عليا للبلاد . فهي ليست وزارة فنية تشغيلية تُعنى بفتح القنوات وتطهيرها وتوصيلها للحقول هذا عمل من ضمن العمليات الزراعية الموسمية والمستديمة وهو عمل فني بحت يقوم به مهندسو الري التابعون لوزارة الزراعة بالتنسيق مع وزارة الري لضبط مواقيت ملء القنوات وتوفير الحصص المطلوبة من المياه بالتنسيق مع وزارة الري حسب مناسيب الفيضان وتوقعات ارتفاع أو انخفاض مناسيب كميات هطل الأمطار وإمكانية الاستفادة من الأنهار والخيران الموسمية والمياه الجوفية ومشاريع حصاد المياه كل هذه العمليات المعقدة ستكون عبئاً على وزارة مهمتها تعظيم الانتاج الزراعي بشقيه الحيواني والنباتي ووضع السياسات الزراعية في بلد يعد من أكبر البلدان الزراعية في العالم .
رابعاً :
أما وزارة الري فيجب أن تكون وزارة سيادية في ظل حرب المياه العالمية والإقليمية خاصة وأن الجفاف والتصحر والتغير المناخي والاحتباس الحراري أصبح يلقي بظلاله على مصادر المياه المطرية والنهرية . وفي ظل وجود مؤامرات مائية على السودان تديرها الموساد في منابع مياه النيل في يوغندا وأثيوبيا طمعاً في التحكم في مياه النيل عن طريق سد النهضة مما يسبب اضطراباً في ورود مياه الفيضان في المواقيت المناسبة للمواسم الزراعية وستكون أثيوبيا هي المتحكم في الملء والتفريغ بدون اتفاق دولتي مصر والسودان خاصة وأن الملء أكثر من 7٤ مليار متر مكعب سيشكل ضغطاً على السدود في النيلين الأزرق خزان الروصيرص وخزان سنار والنيل الأبيض خزان جبل أولياء ونهر النيل خزان سد مروي وربما يؤثر الفيضان غير المتحكم فيه إلى غمر الجروف وتجريفها وحدوث هدام كبير يؤدي إلى فقدان نسبة كبيرة من غابات النخيل في الشمال كما يؤثر سد النهضة على غابات النيل الأزرق بشكل كبير، حيث أدى إلى غمر مساحات واسعة من الغابات في منطقة السد، مما يهدد التنوع البيولوجي ويهدد بعض أنواع الحيوانات والنباتات المحلية. بالإضافة إلى ذلك، يؤثر السد على تدفق المياه في النيل الأزرق، مما قد يؤثر على الغطاء النباتي والأراضي الزراعية على طول ضفاف النهر في السودان.
لذلك يجب استقلال وزارة الري التي أهملتها كل الحكومات الوطنية ربما بفعل تدخلات مخابراتية أجنبية وربما لسياسة اسرائيل لإضعاف السودان كعمق اقتصادي لدول الطوق الأمني الإسرائيلي
رابعا : حرب المياه الإقليمية
وتشير العديد من الدرسات عن دخول المياه ساحة الحرب العربية الإسرائيلية وتشير بعض الدراسات أن استراتيجية إسرائيل في إفريقيا ترتكز على شل الوجود العربي في تلك القارة، كما يحدث في الحرب على السودان الآن وتهدف أيضاً إلى محاصرة المصالح المشتركة بين الدول العربية جنوب الصحراء وشمالها، والوصول إلى منابع النيل بالنسبة لمصر والسودان، مشيرين إلى أن الكيان الصهيوني يسعى دائما إلى توسيع الفجوة وتعميق الخلافات العربية مع الدول الإفريقية، وتهديد أمن البلدان المعتمدة على نهر النيل بمحاولة زيادة نفوذها في دول المنبع المتحكمة في مياهه، مع التركيز على إقامة مشروعات زراعية تعتمد على سحب المياه من بحيرتي فكتوريا وتانا في كل من أوغندا وإثيوبيا.
خامسا: حرب السدود
إن اسرائيل هي التي تقود حرب السدود على مجرى النيل الأبيض وقد كشفت دراسات استخباراتية سوداني انتهاء دولة جنوب السودان من دراسات أولية لبناء سدين جديدين على النيل الأبيض، الأول في منطقة كايا، على الحدود مع أوغندا، والآخر على شلالات فولا بمدينة نيمولي، بغرض توليد الكهرباء، وإنشاء مزارع سمكية. وأضافت أن كمبالا أعلنت مساندتها لجوبا في تشييد السد، بتوفير الدعم المالي، لمشاركتها الطاقة الكهربائية المولدة، مؤكدة وجود مخططات لِسِتِ دول لإنشاء سدود على النيل في كينيا، وأوغندا، وبوروندي، ورواندا، وتنزانيا، إضافة إلى إثيوبيا، عقب توقيعها بشكل منفرد اتفاقية عنتيبي، التي تبحث إعادة تقسيم مياه النيل في صورة حصص مائية جديدة بعد انفصال لعله من الخطأ أن يقوم رجل تقني التفكير بوضع سياسة دولة بمفرده دون دعوة الخبراء والعلماء لوضع التصور لهيكل الوزارات السودانية ثم إن هذا العمل ليس من اختصاص الحكومة الانتقالية التي يجب أن تحصر عملها في تحقيق الانتقال واحتواء آثار الحرب واستعادة الوزارات نفسها قبل هيكلتها .
أعتقد أن كامل ادريس تخطى دوره كرئيس لحكومة وصار يخاطب قضايا خارج هذه المرحلة
ومن ناحية ، عقلية كامل إدريس تقنية فنية وليست سياسية وفكرية بالدرجة الأولى لذلك ألغى وزارة الري لغياب البعد السياسي عن نظره .
والله ولي التوفيق
م/ صديق المجتبى
١٠ يوليو ٢٠٢٥م


